المنظمات الأممية بالدول العربية.. دور فعال لا يزال محفوفاً بالشكوك والمعوقات
توصف تقاريرها أحياناً بـ"المسيسة"
بدور يتعاظم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1945) تلعب المنظمات الدولية غير الحكومية دورا بارزا في تفعيل وتطبيق القوانين والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وخلال أكثر من 20 عاما شهدت عدة دول عربية اضطرابات سياسية وأمنية، وانتفاضات شعبية، وتأثيرات مختلفة لظاهرة الاحترار والاحتباس الحراري، ما أدى إلى وقوع خسائر جسيمة، فضلا عن ملايين اللاجئين.
وتواجه المنظمات الحقوقية الدولية عدة إشكاليات في بعض الدول العربية، بسبب هواجس وخلط مفاهيم حقوق الإنسان بالمطالب تحت شكل سياسي ومعارض، ومن جواز التدخل لأسباب إنسانية حسب القانون الدولي، وحرص الدول على عدم انتهاك سيادتها.
وتُمنع بعض المنظمات من استخراج تراخيص قانونية لفتح فروع لها في بعض الدول العربية، رغم أن ذلك لا يعني التدخل في السيادة الوطنية، لا سيما أن القائمين على العمل يحملون جنسيات بلدانهم.
ويأتي ارتباط حقوق الإنسان بالدبلوماسية كتطور أخلاقي من خلال بذل الجهود الدولية عبر القنوات الدبلوماسية والأمم المتحدة من أجل ترسيخ احترام حقوق الإنسان في دول العالم.
أدوار بارزة
ويبرز دور تلك المنظمات كدبلوماسية موازية لتقريب وجهات النظر وتحسين العلاقات وكسر الجمود تمهيدا للقاءات الرسمية بين الدول، ومن جهة أخرى يتضح دورها لإظهار الحقائق في مجال حقوق الإنسان بالايجابيات والسلبيات عبر التقارير الدولية.
وتعمل المنظمات أيضا على تشجيع الدول لتوقيع المعاهدات الدولية وتحسين علاقاتها على المستوى الدولي، بجانب العمل على الجانب الثقافي بين شعوب هذه الدول من كل أطيافها، وامتداد جسور الثقافة بين جميع دول العالم من خلال تبادل الزيارات المشتركة للمجتمع المدني وحقوق الإنسان وترسيخ مبادئ التعايش والتسامح ونبذ العنف وفكر التطرف والإرهاب.
وفي ظل عدم كفاية دور الجمعيات والمجالس الوطنية في البلدان العربية، تقوم المنظمات الحقوقية الدولية بدور أكبر وتفتح المجال واسعا وتمهد الطريق للدفاع عن القضايا العادلة لهذه الدول ضمن آليات تمثيلها وتقاريرها للأمم المتحدة لرفع الظلم وإظهار الحقائق.
وعادة ما تشكل هذه المنظمات لجان تحقيق مشتركة في أحداث الاضطرابات أو التجاوزات الكبرى، وذلك لحماية المدنيين وعدم تأثرهم بالخلافات السياسية بين الدول.
وتعد أبرز الأذرع الأممية في المنطقة العربية إجمالا هي مفوضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، خاصة مع تنامي الانتهاكات والتجاوزات الحقوقية وارتفاع معدلات الهجرة واللجوء لأسباب سياسية أو مناخية.
ومن أهم المنظمات الأممية أيضا، منظمة الأغذية والزراعة “فاو”، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة المكتسبة/الإيدز.
مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان
تركز المفوضية الأممية جهودها على ثلاثة مجالات رئيسية وهي: وضع المعايير والمراقبة والتنفيذ على الأرض، وتتخذ من جنيف مقراً لها، وتضم نحو 40 خبيراً مستقلاً في مجال حقوق الإنسان واللجان التي تراقب تنفيذ المعاهدات الرئيسية الدولية لحقوق الإنسان.
وتتحمل المفوضية السامية مسؤولية إدماج حقوق الإنسان في كل مجالات عملها، بهدف العمل من أجل حماية جميع حقوق الإنسان لجميع الناس؛ وللمساعدة في تمكين الناس لإعمال حقوقهم؛ ومساعدة المسؤولين عن دعم هذه الحقوق في ضمان تنفيذها.
وتمنح المفوضية الأولوية لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان الأكثر إلحاحًا، الخطرة والمزمنة، لا سيما تلك التي تعرض الحياة لخطر وشيك، وتركز على الأكثر عرضة للخطر والضعف، وتولي اهتمامًا متساويًا لإعمال الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بما في ذلك الحق في التنمية، فيما تقيس تأثير عملها من خلال الفوائد التي يحقّقها الأفراد في جميع أنحاء العالم.
مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية
تأسس في عام 1991 باعتباره أحد الهيئات في أمانة الأمم المتحدة، بهدف دعم وتمويل وتنسيق الإجراءات الإنسانية في الاستجابة لحالات الطوارئ المعقدة والكوارث الطبيعية.
يرأس منسق شؤون الإغاثة الطارئة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ويعمل في حالات الطوارئ أيضاً كمنسق مركزي لأنشطة الإغاثة الحكومية والحكومية الدولية وغير الحكومية.
ويدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أيضاً الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ، وهو آلية تمويل جماعي تستفيد منها الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، ويستطيع المكتب الحصول على التمويل من هذا الصندوق لعملياتها على المستوى الدولي.
منظمة الهجرة الدولية
تأسست في عام 1951، وهي المنظمة الحكومية الدولية الرائدة في مجال الهجرة، إذ تعمل عن كثب مع الشركاء الحكوميين وغير الحكوميين، وفي سبتمبر 2016 أصبحت المنظمة الدولية للهجرة وكالة تابعة للأمم المتحدة.
وتعمل المنظمة الأممية مع 174 من الدول الأعضاء و8 دول تحمل صفة عضو مراقب، ولديها مكاتب في أكثر من 100 بلد، بهدف ضمان الإدارة المنتظمة والإنسانية للهجرة، وتعزيز التعاون الدولي بشأن قضايا الهجرة، والمساعدة في البحث عن حلول عملية لمشكلات الهجرة، وتقديم المساعدة الإنسانية للمهاجرين المحتاجين والأشخاص النازحين داخليا.
مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
تعمل المفوضية عن كثب على الصعيد الميداني، لضمان تمتع النازحين قسراً وعديمي الجنسية والأشخاص الآخرين الذين تعنى بهم المفوضية بشكل كامل بحقوقهم، بغض النظر عن وضعهم.
وتسعى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للعمل بشكل خاص مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان لاكتساب الخبرة في مجال إدماج حقوق الإنسان في عملها، بما في ذلك كيفية إدارة البرامج القائمة على حقوق الإنسان.
كما تشجع أيضاً مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان على إشراك الأشخاص الذين تعنى بهم المفوضية في وضع معاييرها وأنشطة المراقبة والتنفيذ الميداني بشكل منتظم.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"
تعتبر المنظمة الأممية المدافع الرائد في العالم عن حقوق الطفل، حيث تأسست في عام 1946 لتوفير الطعام والرعاية الصحية في حالة الطوارئ للأطفال في البلدان التي دُمرت جراء الحرب العالمية الثانية، وقد ساعدت اليونيسف ملايين الأمهات والأطفال الضعفاء في جميع أنحاء العالم.
تعمل المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقراً لها وفازت بجائزة نوبل للسلام لعام 1965، في حوالي 200 بلد في أنحاء العالم، إذ توفر المساعدة الإنسانية والإنمائية للأمهات والأطفال الضعفاء.
وتركز يونيسف على خمسة مجالات رئيسية وهي: بقاء الطفل ونمائه؛ والتعليم الأساسي والمساواة بين الجنسين؛ وحماية الطفل؛ والأطفال المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسبة/الإيدز؛ وحشد التأييد والشراكات بشأن حقوق الإنسان.
منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو"
تعد المنظمة إحدى الوكالة الأممية المتخصصة التي تقود الجهود الدولية للقضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي في أكثر من 130 دولة بمختلف أنحاء العالم.
وتولي اهتماما للتأكد من أن البشر يحصلون بانتظام على ما يكفي من الغذاء عالي الجودة لقيادة حياة نشطة وصحية، وذلك بالتعاون والشراكة مع 194 دولة والاتحاد الأوروبي.
منظمة الصحة العالمية
تمثل منظمة الصحة العالمية، السلطة الرئيسية للتوجيه والتنسيق داخل منظومة الأمم المتحدة بشأن العمل الصحي الدولي في العالم.
ويقع ضمن اختصاصاتها منع الأوبئة والقضاء عليها وتحسين الظروف الغذائية والصحية والبيئية والنظافة للأشخاص في جميع أنحاء العالم.
وتوفر الإغاثة الطبية الطارئة بناء على طلب الحكومات وتقدّم الخدمات والتسهيلات للمجموعات من ذوي الاحتياجات الخاصة.
الوجه الآخر
وقال حقوقيان عربيان –مصري وأردني- استطلعت "جسور بوست" آراءهما، إن جميع الوكالات الأممية لها أفرع في معظم الدول العربية، باستثناء الدول التي تشهد صراعات ونزاعات أهلية أو سياسية، وذلك حفاظا على أرواح الموظفين الأمميين، لكن درجة التواصل والنفاذ تتباين وفقا للأمور السياسية في تلك البلدان.
وقال الحقوقي المصري عبدالناصر قنديل، إن المنظمات الأممية والدولية لعبت دورا كبيرا في العالم الثالث فيما يتعلق بالحقوق الاجتماعية والثقافية، غير أنها تراجعت عن ذلك في مطلع تسعينيات القرن الماضي مقابل طغيان الدور السياسي.
وأوضح قنديل في تصريح خاص لـ"جسور بوست" أن هذا الاتجاه أضر بحقوق الشعوب وقدرتها على التنمية والتطور والإبداع والتعلم، لا سيما أن التركيز على الجوانب السياسية عادة ما تم استخدامه كأداة لمعاقبة الأنظمة العربية.
وأضاف: “خفوت دور المنظمات الأممية والدولية في المنطقة العربية يرجع إلى سببين، أولهما تقليص ميزانياتها خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، والثاني هو تحويل بؤرة اهتمامها إلى مناطق أخرى في العالم”.
وكشف قنديل عن أن التقارير التي قدمتها مصر مؤخرا بشأن وضعية الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية تطرقت إلى أهمية تعميق وتعزيز التعاون مع الوكالات الأممية والدولية فيما يتعلق بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
من جانبه، اعتبر حقوقي أردني، مفضلا عدم ذكر اسمه، أن بعض الدول تجعل التواصل بين المنظمات الأممية والجمعيات المحلية أو الشخصيات العامة لديها مقيدا وقاصرا على القنوات الرسمية فحسب، وهو ما يجعل الاستفادة في أضيق الحدود.
وأضاف في تصريح خاص لـ"جسور بوست"، أن بعض المنظمات الدولية تسعى للتواصل مع الجمعيات والمنظمات المحلية في الدول العربية، بهدف تطوير الأداء المؤسسي على الرصد وتقديم المساعدات للفئات المستهدفة، إضافة إلى تقديم الاستشارات الفنية والاستراتيجية، وذلك لتبادل الخبرات وتعميق التشبيك والاستفادة من تقريرها المحلية في تقييم الأوضاع، لكنها لا تُقابل بكثير من الترحيب.
وقال: “البعض يشكك من نوايا المنظمات الدولية والأممية تجاه الأنظمة العربية، أو يعتبر أن تقاريرها تحمل عبارات لتضخيم التجاوزات مقابل إغفال الإيجابيات والسياسات التنموية”.
ويقول المراقبون إن بعض المنظمات الأممية والدولية تصدر تقارير غير صحيحة لأسباب سياسية، لا سيما أن بعضها أصبح يتبع أحزاب أو تيارات سياسية، ومن ثم فإن تقارير بعض المنظمات الدولية الكبرى باتت معروفة بـ"التسييس".